بقلم:عبد الصمد المنصوري
تدعمت المكتبة الجامعية والتاريخية خلال الشهر الأخير من السنة التي ودعناها {2013} بإصدار كتاب جديد للدكتور محمد الشريف،أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان،بعنوان"تطوان"حاضنة الحضارة المغربية الأندلسية،ضمن منشورات جمعية تطاون أسمير.
وتجدر الإشارة إلى أن الكِتاب في الأصل هو باقة من الدراسات التاريخية تُرشَف من تاريخ تطوان الحضاري الغني والمتنوع الروافد ، كتبت في مناسبات مختلفة أو قدمت في ندوات وملتقيات علمية مختلفة،عزم الأستاذ الشريف على جمعها بين دفتي كتاب بعدما تنوعت المنابر العلمية التي نشرت بها ،وأضحت صعبة المنال لمن يريد الإطلاع عليها أو الاستفادة منها.
ويروم الأستاذ محمد الشريف من خلال الكتاب إماطة اللثام عن إسهامات علماء المدينة ومؤرخيها في المجالات العلمية والثقافية والفكرية والسياسية وتقديم دراسات يكشف بعضها عن مصادر ووثائق تهم تاريخ المغرب وحضارته،بقدر ما تميط اللثام عن جوانب من تاريخ "تطوان"هذه الحاضرة المغربية الأندلسية.
ويعتبر الكِتاب من أبرز الإصدارات التاريخية الحديثة التي حاولت طرح قضايا ومواضيع من عدة زوايا فقد اعتمد المؤلف على مختلف أصناف المصادر وكذلك على أساليب وتقنيات جديدة في عرض الأحداث التاريخية لإبراز أهم التأثيرات الأندلسية في الحاضرة التطوانية وكذلك دراسة أبحاث أخرى لشخصيات تطوانية.
ونجد أن الكاتب يرتب كتابه ويقسمه إلى محورين كل محور يتضمن مجموعة من العناوين الفرعية وقد عنون المحور الأول " بتطوانيات " خصصه للحديث عن تطوان بنت غرناطة وحاضنة الحضارة الأندلسية بالمغرب وعن كتاب اللسان المعرب عن تاريخ وسياسة ملوك المغرب للفقيه محمد المرير التطواني ،ثم تطرق لرسائل لم تنشر متبادلة بين محمد داود ومحمد المختار السوسي ثم عرج على مصدر جديد من مصادر تطوان التجاري الدفينة من خلال وثيقة لمستفاد مرسي تطوان سنة 1797م ومستفاد الزاوية القادرية بتطوان ثم سيسلط الضوء على مجتمع تطوان سنة 1913م من خلال مشاهدات الرحالة الإسباني آنخيل كابريرا ، كما تناول موضوع تطوان في عهد الحماية البحث في ذاكرة مدينة ثم يختم في الأخير هذا المحور بأهمية الوثائق الإسبانية في المكتبة العامة والمحفوظات بتطوان.
أما المحور الثاني فقد عنونه " برهونيات " تحدث فيه عن كتاب "عمدة الراوين في تاريخ تطاوين " لأبي العباس أحمد الرهوني باعتباره موسوعة شاملة للتاريخ الحضاري لمدينة تطوان ويتناول مشاهد وانطباعات وزير عدلية المغرب الخليفي أبي العباس أحمد الرهوني عن الحجاز سنة 1355هـ /1937م ثم ختم هذا المحور بعنوان فرعي نصيحة الوطن لمقيمة لأبي العباس أحمد الرهوني،وكل هذا في 243 صفحة من الحجم المتوسط فهل استطاع الكاتب من خلال تجميع هذه الندوات ونشرها في كتاب أن يقدم إضافة للبحث التاريخي وأن يجيب عن الإشكالات والتساؤلات التي يطرحها؟ كل ذلك سنعرفه في قادم السطور من خلال الإطلاع على مضامين الكتاب.
لقد أشار الكاتب في بداية المحور الأول المعنون " بتطوانيات " إلى تطوان بنت غرناطة الحاضنة للحضارة الأندلسية حيث تعتبر نموذجا متميزاً للمدينة الإسلامية ذات الطابع الأندلسي الخاص،بسبب الإرث الأندلسي الذي يطبع هذه المدينة بشكل كبير في حضاراتها،كما يشير الكاتب إلى الترابط الكبير بين المغرب والأندلس منذ العصور القديمة فمن وجهة نظره لا يمكن فصل تاريخ المغرب عن تاريخ الأندلس حيث يعبر عن ذلك بقوله : " يقول الأستاذ محمد بن شريفة: «إن الصّلات بين المغرب الأقصى والأندلس قديمة ترقى إلى التاريخ القديم، و هي صلات فرضتها طبيعة الجوار وأملتها المعطيات الجغرافية... فمن المعروف أن الأندلس بعد فترة الطوائف قد اندمجت في الإمبراطورية المرابطيّة والموحديّة ، أي خلال أكثر من ثلاثة قرون ، كما أن دولة بني نصْر في مملكة غرناطة لم يكن لها أن تكون لولا بنو مَرين .." ويُبرز أن هذا الإندماج بين الحضارتين يتجلى في النواحي الثقافية والاجتماعية إلى اليوم،والتراث الذي خلفته بعض العائلات الأندلسية الأصل شاهد على ذلك في مجموعة من الميادين، و أن جذور الإرث التاريخي الأندلسي عميق في المغرب ومازال ينعكس في سلوك المغاربة وأفكارهم الى درجة أنه لا يمكن فهم الهوية المغربية دون الرجوع إلى العنصر الأندلسي،فقد اختلط ما هو مغربي بما هو أندلسي وكون مزيج حضاري فريد من نوعه في مجموعة من الميادين " فنّ العمارة والفلاحة والصناعة،و في اللباس وفي الطبيخ والموسيقى والحدائق" إلى غير ذلك من المجالات،في مدن مغربية مختلفة كالرباط وسلا ومكناس وفاس والشاون والعرائش والقصر الكبير وخاصة مدينة تطوان.
وقد تطرق الكاتب في هذا المحور أولاً:الى التأثيرات الأندلسية في الميدان العمراني ودورها في إعادة الحياة لمدينة تطوان التي كانت قد خربت على يد البرتغاليين إلى أن قام بإعادة بناءها الأندلسيون الغرناطيون 888هـ/ 1484م وبالتالي فمدينة تطوان أعاد بناءها مهاجري الأندلس في أواخر القرن التاسع الهجري على أنقاض تطوان القديمة والتي ستصبح مغرس الحضارة الأندلسية بالمغرب،ويذهب الكاتب إلى أن هجرة الغرناطيين إلى تطوان كانت سبب رئيسي في تطور المدينة واستمرارها حيث سيعملون على بناء أحياء جديدة كحومة البلاد والربض السفلي والطرنكات والعيون وحصنوها بأسوار فيها سبعة أبواب،كما يبين الكاتب الأستاذ محمد الشريف بعض مظاهر التأثير الأندلسي في الميدان العمراني فقد نقل الأندلسيون إلى المغرب الطراز المعماري الأمر الذي جعل مدينة تطوان أكتر النماذج الهندسية المعمارية إثارة في المغرب في جميع المجالات فمن الناحية المعمارية العسكرية كان أول ما يجب أن تفعله العناصر الأندلسية المهاجرة هو تحصين نفسها بأسوار وخنادق والأبراج والأسوار،كذلك يتطرق الكاتب لتأثيرات الأندلسية في هندسة البناء المدني ويشير إلى أن مدينة الشاون هي التي استطاعت الحفاظ على أبرز معالم العمارة الموريسكية عكس تطوان التي اندثر فيها لكن رغم ذلك تبقى أثار المعمار الموريسكي موجودة في عدة مباني كقصر النقسيس بزنقة المقدم،ثم ينتقل الكاتب إلى إبراز هندسة البيت التطواني باعتباره انعكاس للبيوت الموريسكية فقد لفت انتباه عدد من الوافدين الى تطوان شكل المنزل التطواني الذي لم يكن يختلف عن تصميم المنازل الأندلسية.
ويقف الكاتب أيضا على دلالة الأبواب في التاريخ المعماري التطواني باعتبار أن الباب كانت تعتبر الحد الفصل بين ما هو عام وخاص وقد كانت هذه الأبواب تشبه إلى حد كبير أبواب مكناس وفاس،وقد استعمل التطوانيون في أعلى الأبواب من جهة اليمين أو اليسار رمز حديدي على شكل رمانة للدلالة على الأصول الغرناطية ،كما استعملوا شكلا حديديا مقوسا شبيها بحدوة الفرس أضيفت له ثلاثة قضبان حديدية في الوسط ليتحول إلى رمز يشبه الخميسة أو يد فاطمة ويقال أنها ترمز إلى العائلات الجزائرية،ومع نهاية القرن الخامس عشر الميلادي توفرت مدينة تطوان على نظام توزيع الماء عرف بمجموعة من الأسماء حيث أطلق عليه أهل البلد "ماء البلد"، و "ماء الله"، و"ماء المِعدة"، و"ماء القنا" وعُرف لاحقا باسم ماء"السكوندو"وتعود النشأة الأولي لهذه الشبكة الى نهاية القرن التاسع الهجري على يد سيدي المنظري،وإذا كان بعض الناس ينظرون إلى شبكة ماء " السكوندو " بصفتها شبكة مائية تقليدية متجاوزة ، ماؤها ملوث وغير صالح للشرب،فقد اعتبر الكاتب أن هذه الشبكة المائية جزء من تراث مدينة تطوان الأندلسي الأصيل.
ثم يبرز الكاتب بعد ذلك عناصر الثقافة الأندلسية كمبحث ثاني في المحور الأول حيث اعتبر أن استقرار الأندلسيين بتطوان أدي إلى انعكاسات حضارية عميقة فقد نقل النازحون معهم موروثاتهم الثقافية والحضارية الى المدينة،كما تطرق أيضا الى العائلات الأندلسية الغرناطية التي هاجرت بصحية القائد المنظري وتولت إعادة بناء تطوان واندمجت بشكل فعال في المجتمع التطواني ثم يعرج الكاتب على التأثيرات الأندلسية في الطبخ التطواني فقد جلب الموريسكيون العديد من أنواع المأكولات والحلويات وقد كان التأثير الأندلسي على المطبخ المغربي واضحاً على غرار التأثير العثماني الجزائري، ثم أبرز المؤلف بعد ذلك بعض مظاهر التأثر باللباس الأندلسي وخصوصا في ملابس النساء ذلك أن الأندلسيين حافظوا على عادات اللباس التي كانت لديهم، والجدير بالذكر أن نساء قبائل جبالة وناحية تطوان لا زلن يلبسن لباسا يشبه لباس النساء المدجنات ونساء غرناطة، فهن تتزين بالمنديل المورسكي المخطط غالبا بالأحمر والأبيض، يسمى " أتازير "،ويعتمرن " الشاشية " وفوطة بيضاء توضع على الكتف، وحزام يربطن به المنديل يسمى الكرزية ، إنهن ببساطة وريثات التاريخ الأندلسي،كذلك تأثر الطرز التطواني بالطرز الأندلسي.
ولم يسلم الوسط التطواني من التأثر اللغوي الذي يعتبر من أبرز عمليات التواصل بين العنصر المغربي والأندلسي ويقسم الباحثون التأثير اللغوي الأندلسي إلى مرحلتين الأولى : قبل سقوط غرناطة وما بعدها بقليل وتميزت بانتشار العامية الأندلسية،والثانية : أدت إلى انتشار اللغة الإسبانية وهي التي توافق الطرد المورسكي الأخير،ويشير صاحب عمدة الراوين إلى أن لغة أهل تطوان هي لغة عربية عامة تعرضت لتأثر باللغة البربرية بحكم المجاورة والإسبانية بفعل الهجرات،بعد ذلك يقدم الكاتب نبذة عن كتاب اللسان المعرب عن تاريخ وسياسة ملوك المغرب للفقيه محمد المرير التطواني عرف فيه بالكِتاب ومحتوياته وظروف تأليفه والبعد المنهجي والنزعة الإصلاحية فيه،ثم إلقاء نظرة على تطوان في تاريخ المرير أو جدلية المشاهِد والمشاهدة،بعد ذلك سيقدم الكاتب تخريج ودراسة لبعض الوثائق الغميسة وهي عبارة عن رسائل لم تنشر متبادلة بين محمد داود التطواني ومحمد المختار السوسي.
وقد اعتمد الكاتب على نوعية جديدة من مصادر تاريخ تطوان التجاري الدفينة تتمثل في وثائق المستفادات كمستفاد مرسي تطوان سنة 1797م ومستفادات الزوايا خاصة الزاوية القادرية بتطوان والذي كان له أهمية كبيرة حيث يسلط الضوء على بعض المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية للزوايا وقد أشاد مجموعة من الباحثين بهذا النوع من الوثائق من بينهم الأستاذ محمد المنوني،ويبرز الكاتب أيضا النظام الإداري للأوقاف من خلال الحولات الحبسية وكنانيش الحسابات،كما يسلط المؤلف الضوء على مجتمع تطوان سنة 1913م من خلال مشاهدات الرحالة الإسباني أنخيل كابريرا من خلال كتابه المغرب الأقصى ذكر فيه ذكرياته عن أربع رحلات إلى جبالة والريف الأولى : جاب فيها منطقة الشمال الغربي للمغرب وخص مدينة تطوان بفصل كامل أما الرحلة الثانية : فقد خصصها لدراسة حيوانات الريف الشرقي والثالثة:لدراسة الحيوانات بمنطقة الريف وجبالة أما الرحلة الرابعة : فقد جاب فيها تطوان والشاون وتوريرت وجبالة وهي الرحلة الوحيدة التي لم تتم برعاية الجمعية الإسبانية للتاريخ الطبيعي.
أما الإطار التاريخي لرحلات كابريرا بشمال المغرب فقد نشر سنة 1924م في سلسلة مكتبة المواضيع ذات الإهتمام الوطني وكانت رحلاته تقدم معلومات للإسبان،وتعتبر شهادة أصلية حول وضعية الشمال المغربي في اللحظات الأولى للحماية الإسبانية،ولقد كان كابريرا في رحلاته يتوجه بخطابه أساساً لؤلئك الذين يشككون في شرعية الحماية الإسبانية بالمغرب كما نجد لديه قناعة بضرورة تدخل اسبانيا لتحضير المغرب ويمكن اعتبار رحلاته دعوة لعمل استعماري ذكي وكتابه يعتبر مرشداً ودليلا لسلطات الاحتلال،ثم انتقل الكاتب إلى مبحث أخر عنونه "بتطوان في عهد الحماية البحث في ذاكرة مدينة "تناول فيه ثلاث محور أساسية الأول يتعلق بتأسيس الحماية بالمنطقة الخليفية أما المحور الثاني فيتطرق فيه إلى علاقات الحركة الوطنية في الشمال مع الخارج وبخصوص المحور الثالث فيتعلق بالأوضاع الثقافية والاجتماعية،ثم يذيل الكاتب نهاية المحور الأول بموضوع أهمية الوثائق الإسبانية في المكتبة العامة والمحفوظات بتطوان وختم بملاحظات تقييميه بخصوص وضعية الأرشيفات المغربية الإسبانية.
أما المحور الثاني: والذي عنونه الكاتب "برهونيات"فقد تطرق فيه لكتاب "عمدة الراوين في تاريخ تطاوين " لأبي العباس أحمد الرهوني باعتباره موسوعة شاملة للتاريخ الحضاري لمدينة تطوان أشاد فيه بأهمية الكتاب خاصة بعد تحقيقه من طرف أ.د جعفر ابن الحاج السلمي حيث يعرض الكَاتب أهم مضامين كتاب الرهوني وفصوله فقد جاء الأول في تحقيق اسم تطوان والثاني في تاريخها والثالث في بيان موقعها الطبيعي والرابع في جوها وهواءها والخامس في بيان أوصافها والسادس في حوماتها والسابع في زراعتها والثامن في صناعتها وتجارتها اما الفصل التاسع فقد خصصه لبيان عدد سكانها وديانتهم ولمنشأتها الاقتصادية والدينية والتعليمية والفصل العشر والفصل الحادي عشر لتسلسل ولاتها وحكامها والثاني عشر لسرد أسماء من تولي قضاءها والفصل الثالث عشر لعادات أهلها وخصص الفصل الرابع عشر في أخلاق أهلها والخامس عشر في لغة أهل تطوان والفصل السادس عشر في التعريف بعلمائها وشيوخها وأوليائها وصلحائها،ومن جهة أخرى يعرفنا الكِتاب حسب المؤلف بكثير من أسماء المواقع والمواضع التي أهملتها الأوصاف الجغرافية والخرائط الطبوغرافية كما يمدنا بمعطيات عن المشهد الزراعي وعن العمارة والتنميق ونجد به معلومات طريفة عن أدوات التجميل كما تتناثر فيه معلومات قيمة عن العملات المتداولة وتاريخها،وعن المصطلحات الإدارية والعسكرية وعن الآلات والتقنيات وعن الألعاب وعن بعض الأمراض،إلى غير ذلك من الجوانب الحضرية التي تند عن الحصر،يجدها الباحث بين دفتي هذا الكتاب الشيق الذي تقرأه والابتسامة لا تفارق شفتيك منذ صفحاته الأولى.
وأخيراً وليس اخراً،تتجلى القيمة التاريخية لهذا المعجم في ايراده لكثير من المصطلحات التي شاع استعمالها في الرسائل المخزنية خلال القرن التاسع عشر ومطلع العشرين ولذلك فإن توظيف معطياته قد يساهم في فهم مضمون تلك الرسائل وفي حل كثير من مستغلقاتها.
ولعل هذه الأهمية التي عمد الكاتب إلى ابرازها ترسخ قناعتنا بقيمة المواد غير الفصيحة بالنسبة للبحث التاريخي اللغوي المعاصر،وبالنسبة للمهتمين بالتاريخ الاجتماعي والحضاري للمغرب بصفة عامة.
بعد ذلك تطرق الأستاذ محمد الشريف لمشاهد وانطباعات وزير عدلية المغرب الخليفي عن الحجاز سنة 1355هـ /1937م وكان صاحب الرحلة هو الرهوني الذي ثم اختياره رئيس للوفد الخليفي المتوجه لأداء مناسك الحج لسنة 1937م وسيتطرق إلى ضيافة الملك عبد العزيز أل سعود للوفد الخليفي وصُورة الملك السعودي في رحلة الرهوني والتي هي صورة تُسطر تاريخ هذا الملك اعتماداً على مصدر كتابي ومن خلال مشاهداته العيانية وهو بين يدي هذا العاهل حيث وصفه بالرجل العاقل الشهم الشجاع المقدام عزيز النفس عالي الهمة ..إلى غير ذلك من الصفات الحميدة،كما سيتطرق الكاتب إلى موقف الملك عبد العزيز من المغاربة مخاطبا الوفد الخليفي "إني أحبكم معشر المغاربة محبة خاصة ..."وهي دلالة واضحة على تقدير الوفد المغربي وكافة المغاربة ثم يتحدث عن هدايا الملك عبد العزيز إلى الخليفة السلطاني وينتقل بعد ذلك للحديث عن التطور العمراني بالمملكة العربية السعودية على عهد الملك عبد العزيز فقد تمت مجموعة من التدابير والإصلاحات العمرانية لفتت انتباه الرهوني وسجلها في رحلته ويمكن القول أن أهم تلك الإصلاحات التي همت الحرمين الشريفين،تمثلت في خدمة الحجاج والمعتمرين،وكسوة الكعبة وبئر زمزم وأول ساعة في الحجاز التي أضافها الملك إلى تجهيزات بئر زمزم إضافة إلى إنارة المسجد الحرام، ومظلة الصفى والمروى وتوحيد إمامة الصلاة ناهيك عن البنية التحتية والمواصلات،وختاما يخلص الكاتب إلى أن رحلة الرهوني أتت في ظرفية سياسية خاصة كانت تمر منها الدولة الإسبانية الفارضة حمايتها على المنطقة الخليفية من المغرب وعاصمتها تطوان،وكان غرض فرانكو من من تنظيم تلك الرحلة الحجية وإسناد رأستها إلى أحد مشاهير المدينة هو كسب الرأي العام المغربي وتلميع صورته أمام المسلمين قاطبة.
ثم يتطرق الكاتب لمشروع الإصلاح الذي قدمه الرهوني للإقامة العامة بطلب من المقيم العام والذي سماه "نصيحة الوطن لمقيمه"معتبراً أن احترام مقتضياته وتنفيذها من قبل سلطات الحماية هو صمام أمان لنجاح سياستها بالمنطقة الخليفية ويتضمن هذا المشروع المكون من 43 بند تصور الفقيه الرهوني لجملة من القضايا السياسية والإدارية والتربوية والإقتصادية والعسكرية، ثم يبرز الكاتب موقف الرهوني من الحماية الإسبانية فقد أشاد بها بعد أن أضحت أمرا واقعاً ولهج بإنجازاتها بالمنطقة الخليفية،الأمر الذي جعل الرهوني محط انتقادات كثيرة وصلت حتى التشكيك في وطنيته،وقد ذيل الكاتب نهاية الكِتاب بتخريج وثيقة الإصلاح السالفة الذكر التي قدمها الرهوني للإقامة العامة الإسبانية.
وختاما يمكن القول أن الأستاذ محمد الشريف إستطاع بهذه المواد الثرية والمتنوعة، أن يقدم قيمة مضافة لرصيد التراكم الأكاديمي المرتبط بالتحولات التي عرفتها منطقة شمال المغرب المتوسطي،خاصة المتعلقة منها بالتاريخ الإجتماعي والإقتصادي المحلي ولا شك أيضا أن هذا العمل - الذي ينضاف إلى عدد من الإسهامات التي قدمها المؤلف للحقل التاريخي والتي تصب في منحى إفادة الباحثين من الطلبة والمهتمين بحقل التاريخ - بما احتواه من عناصر الصرامة العلمية وضوابطها يعد مساهمة جادة لإماطة اللثام عن جانب من تاريخ تطوان الإجتماعي،وهو بذلك يعتبر لبنة في صرح كتابة التاريخ الإجتماعي للحواضر المغربية.
جميل قراءة متميزة لكن ينقصها بعض النقد للكتاب
ردحذفتحياتي
ردحذفواو
ردحذف